فصل: فصلٌ فِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ نَفْسِ الْعَبْدِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ:

.فَصْلٌ: فِي الشِّرَاءِ:

قَالَ: (وَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ جِنْسِهِ وَصِفَتِهِ أَوْ جِنْسِهِ وَمَبْلَغِ ثَمَنِهِ) لِيَصِيرَ الْفِعْلُ الْمُوَكَّلُ بِهِ مَعْلُومًا فَيُمْكِنُهُ الِائْتِمَارُ (إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ وَكَالَةً عَامَّةً فَيَقُولُ: ابْتَعْ لِي مَا رَأَيْت) لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ فَأَيُّ شَيْءٍ يَشْتَرِيهِ يَكُونُ مُمْتَثِلًا، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ تُتَحَمَّلُ فِي الْوَكَالَةِ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّ مَبْنَى التَّوْكِيلِ عَلَى التَّوْسِعَةِ لِأَنَّهُ اسْتِعَانَةٌ.
وَفِي اعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ بَعْضُ الْحَرَجِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ (ثُمَّ إنْ كَانَ اللَّفْظُ يَجْمَعُ أَجْنَاسًا أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَجْنَاسِ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَإِنْ بُيِّنَ الثَّمَنُ) لِأَنَّ بِذَلِكَ الثَّمَنِ يُوجَدُ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ، فَلَا يَدْرِي مُرَادَ الْآمِرِ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ (وَإِنْ كَانَ جِنْسًا يَجْمَعُ أَنْوَاعًا لَا يَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ الثَّمَنِ أَوْ النَّوْعِ) لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ يَصِيرُ النَّوْعُ مَعْلُومًا، وَبِذِكْرِ النَّوْعِ تَقِلُّ الْجَهَالَةُ فَلَا تَمْنَعُ الِامْتِثَالَ.
مِثَالُهُ: إذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ جَارِيَةٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا، فَإِنْ بَيَّنَ النَّوْعَ كَالتُّرْكِيِّ أَوْ الْحَبَشِيِّ أَوْ الْهِنْدِيِّ أَوْ السِّنْدِيِّ أَوْ الْمُوَلَّدِ جَازَ، وَكَذَا إذَا بَيَّنَ الثَّمَنَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَوْ بَيَّنَ النَّوْعَ أَوْ الثَّمَنَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الصِّفَةَ: الْجَوْدَةَ وَالرَّدَاءَةَ وَالسِّطَةَ جَازَ لِأَنَّهُ جَهَالَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ وَمُرَادُهُ مِنْ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ النَّوْعُ.
(وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: اشْتَرِ لِي ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً أَوْ دَارًا فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ) لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ، فَإِنَّ الدَّابَّةَ فِي حَقِيقَةِ اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يَدِبُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَفِي الْعُرْفِ يُطْلَقُ عَلَى الْخَيْلِ وَالْحِمَارِ وَالْبَغْلِ فَقَدْ جَمَعَ أَجْنَاسًا، وَكَذَا الثَّوْبُ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمَلْبُوسَ مِنْ الْأَطْلَسِ إلَى الْكِسَاءِ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ مَهْرًا، وَكَذَا الدَّارُ تَشْمَلُ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَجْنَاسِ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا بِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَالْجِيرَانِ وَالْمَرَافِقِ وَالْمَحَالِّ وَالْبُلْدَانِ فَيَتَعَذَّرُ الِامْتِثَالُ.
قَالَ: (وَإِنْ سَمَّى ثَمَنَ الدَّارِ وَوَصَفَ جِنْسَ الدَّارِ وَالثَّوْبِ جَازَ) مَعْنَاهُ نَوْعُهُ، وَكَذَا إذَا سَمَّى نَوْعَ الدَّابَّةِ بِأَنْ قَالَ حِمَارًا أَوْ نَحْوَهُ.
قَالَ: (وَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ دَرَاهِمَ، وَقَالَ: اشْتَرِ لِي بِهَا طَعَامًا فَهُوَ عَلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا) اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ عَلَى كُلِّ مَطْعُومٍ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ كَمَا فِي الْيَمِينِ عَلَى الْأَكْلِ إذْ الطَّعَامُ اسْمٌ لِمَا يُطْعَمُ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعُرْفَ أَمْلَكُ وَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ إذَا ذُكِرَ مَقْرُونًا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَلَا عُرْفَ فِي الْأَكْلِ فَبَقِيَ عَلَى الْوَضْعِ، وَقِيلَ إنْ كَثُرَتْ الدَّرَاهِمُ فَعَلَى الْحِنْطَةِ وَإِنْ قَلَّتْ فَعَلَى الْخُبْزِ وَإِنْ كَانَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَعَلَى الدَّقِيقِ.
قَالَ: (وَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ وَقَبَضَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ مَا دَامَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ) لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَهِيَ كُلُّهَا إلَيْهِ (فَإِنْ سَلَّمَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ لَمْ يَرُدَّهُ إلَّا بِإِذْنِهِ) لِأَنَّهُ انْتَهَى حُكْمُ الْوَكَالَةِ وَلِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلِهَذَا كَانَ خَصْمًا لِمَنْ يَدَّعِي فِي الْمُشْتَرِي دَعْوَى كَالشَّفِيعِ وَغَيْرِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُوَكِّلِ لَا بَعْدَهُ.
قَالَ: (وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِعَقْدِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَمْلِكُهُ بِنَفْسِهِ فَيَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِهِ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ عَلَى مَا مَرَّ وَمُرَادُهُ التَّوْكِيلُ بِالْإِسْلَامِ دُونَ قَبُولِ السَّلَمِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَبِيعُ طَعَامًا فِي ذِمَّتِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لِغَيْرِهِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ (فَإِنْ فَارَقَ الْوَكِيلُ صَاحِبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ) لِوُجُودِ الِافْتِرَاقِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ (وَلَا يُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْمُوَكِّلِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَاقِدٍ، وَالْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ قَبْضُ الْعَاقِدِ، وَهُوَ الْوَكِيلُ فَيَصِحُّ قَبْضُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُقُوقُ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الرَّسُولِ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ فِي الْعَقْدِ لَا فِي الْقَبْضِ وَيَنْتَقِلُ كَلَامُهُ إلَى الْمُرْسَلِ فَصَارَ قَبْضُ الرَّسُولِ قَبْضَ غَيْرِ الْعَاقِدِ فَلَمْ يَصِحَّ.
قَالَ: (وَإِذَا دَفَعَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ، وَقَبَضَ الْمَبِيعَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ) لِأَنَّهُ انْعَقَدَتْ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ، وَلِهَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ يَتَحَالَفَانِ، وَيَرُدُّ الْمُوَكِّلُ بِالْعَيْبِ عَلَى الْوَكِيلِ وَقَدْ سَلَّمَ الْمُشْتَرَى لِلْمُوَكِّلِ مِنْ جِهَةِ الْوَكِيلِ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ لَمَّا كَانَتْ رَاجِعَةً إلَيْهِ وَقَدْ عَلِمَهُ الْمُوَكِّلُ فَيَكُونُ رَاضِيًا بِدَفْعِهِ مِنْ مَالِهِ (فَإِنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَسْقُطْ الثَّمَنُ) لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْمُوَكِّلِ، فَإِذَا لَمْ يَحْبِسْهُ يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ قَابِضًا بِيَدِهِ.
(وَلَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ صَارَ قَابِضًا بِيَدِهِ فَكَأَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ، فَيَسْقُطُ حَقُّ الْحَبْسِ، قُلْنَا: هَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا بِسُقُوطِ حَقِّهِ فِي الْحَبْسِ عَلَى أَنَّ قَبْضَهُ مَوْقُوفٌ فَيَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ إنْ لَمْ يَحْبِسْهُ وَلِنَفْسِهِ عِنْدَ حَبْسِهِ (فَإِنْ حَبَسَهُ فَهَلَكَ كَانَ مَضْمُونًا ضَمَانَ الرَّهْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَضَمَانَ الْمَبِيعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَضَمَانَ الْغَصْبِ عِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لِأَنَّهُ مَنْعٌ بِغَيْرِ حَقٍّ، لَهُمَا: أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مِنْهُ فَكَانَ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَيَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ، وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْحَبْسِ لِلِاسْتِيفَاءِ، بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ وَهُوَ الرَّهْنُ بِعَيْنِهِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ، لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ وَهَاهُنَا لَا يَنْفَسِخُ أَصْلُ الْعَقْدِ، قُلْنَا يَنْفَسِخُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ كَمَا إذَا رَدَّهُ الْمُوَكِّلُ بِعَيْبٍ وَرَضِيَ الْوَكِيلُ بِهِ.
قَالَ: (وَإِذَا وَكَّلَهُ شِرَاءَ عَشْرَةِ أَرْطَالِ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ فَاشْتَرَى عِشْرِينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ مِنْ لَحْمٍ يُبَاعُ مِنْهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ مِنْهُ عَشَرَةٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا: يَلْزَمُهُ الْعِشْرُونَ بِدِرْهَمٍ) وَذُكِرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ فِي الْأَصْلِ، لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ أَمَرَهُ بِصَرْفِ الدِّرْهَمِ فِي اللَّحْمِ وَظَنَّ أَنَّ سِعْرَهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ فَإِذَا اشْتَرَى بِهِ عِشْرِينَ فَقَدْ زَادَهُ خَيْرًا وَصَارَ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَشَرَةِ أَرْطَالٍ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِشِرَاءِ الزِّيَادَةِ فَيَنْفُذُ شِرَاؤُهَا عَلَيْهِ وَشِرَاءُ الْعَشَرَةِ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ هُنَاكَ بَدَلُ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ فَتَكُونُ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى مَا يُسَاوِي عِشْرِينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ حَيْثُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْأَمْرَ يَتَنَاوَلُ السَّمِينَ، وَهَذَا مَهْزُولٌ فَلَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ الْآمِرِ.
قَالَ: (وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ) لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَغْرِيرِ الْآمِرِ حَيْثُ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ فِيهِ عَزْلَ نَفْسِهِ وَلَا يَمْلِكُهُ عَلَى مَا قِيلَ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُسَمًّى فَاشْتَرَى بِخِلَافِ جِنْسِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فَاشْتَرَى بِغَيْرِ النُّقُودِ أَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِشِرَائِهِ فَاشْتَرَى الثَّانِي وَهُوَ غَائِبٌ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَ الْآمِرِ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ، وَلَوْ اشْتَرَى الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ نَفَذَ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ حَضَرَهُ رَأْيُهُ فَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا.
قَالَ: (وَإِنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَاشْتَرَى عَبْدًا فَهُوَ لِلْوَكِيلِ، إلَّا أَنْ يَقُولَ نَوَيْتُ الشِّرَاءَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ يَشْتَرِيهِ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ).
قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ: إنْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى دَرَاهِمِ الْآمِرِ كَانَ لِلْآمِرِ، وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدِي بِقَوْلِهِ أَوْ يَشْتَرِيهِ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ، دُونَ النَّقْدِ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا وَخِلَافًا وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ مُطْلَقٌ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى دَرَاهِمِ نَفْسِهِ كَانَ لِنَفْسِهِ حَمْلًا لِحَالِهِ عَلَى مَا يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا أَوْ يَفْعَلُهُ عَادَةً إذْ الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى دَرَاهِمَ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ شَرْعًا وَعُرْفًا، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى دَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ، فَإِنْ نَوَاهَا لِلْآمِرِ فَهُوَ لِلْآمِرِ، وَإِنْ نَوَاهَا لِنَفْسِهِ فَلِنَفْسِهِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِنَفْسِهِ وَيَعْمَلَ لِلْآمِرِ فِي هَذَا التَّوْكِيلِ وَإِنْ تَكَاذَبَا فِي النِّيَّةِ يُحَكَّمُ النَّقْدُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ تَوَافَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: هُوَ لِلْعَاقِدِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ إلَّا إذَا ثَبَتَ جَعْلُهُ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُحَكَّمُ النَّقْدُ فِيهِ لِأَنَّ مَا أَوْقَعَهُ مُطْلَقًا يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ فَيَبْقَى مَوْقُوفًا فَمِنْ أَيِّ الْمَالَيْنِ نَقَدَ فَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ الْمُحْتَمَلَ لِصَاحِبِهِ وَلِأَنَّ مَعَ تَصَادُقِهِمَا يَحْتَمِلُ النِّيَّةَ لِلْآمِرِ، وَفِيمَا قُلْنَاهُ حَمْلُ حَالِهِ عَلَى الصَّلَاحِ كَمَا فِي حَالَةِ التَّكَاذُبِ وَالتَّوْكِيلِ بِالْإِسْلَامِ فِي الطَّعَامِ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ.
قَالَ: (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ فَقَالَ قَدْ فَعَلْتُ وَمَاتَ عِنْدِي، وَقَالَ الْآمِرُ اشْتَرَيْتَهُ لِنَفْسِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ، فَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَلْفَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ) لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ، وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْآمِرِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي هُوَ أَمِينٌ يُرِيدُ الْخُرُوجَ عِنْدَ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ حَيًّا حِينَ اخْتَلَفَا إنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا، فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْقُودًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لِأَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَ الشِّرَاءِ فَلَا يُتَّهَمُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْقَوْلُ لِلْآمِرِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تُهْمَةٍ بِأَنْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ فَإِذَا رَأَى الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً أَلْزَمَهَا الْآمِرَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ تَبَعًا لِذَلِكَ وَلَا ثَمَنَ فِي يَدِهِ هَاهُنَا وَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا وَالْعَبْدُ حَيٌّ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا أَوْ غَيْرَ مَنْقُودٍ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَمْلِكُ شِرَاءَهُ لِنَفْسِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ عَلَى مَا مَرَّ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
(وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ بِعْنِي هَذَا الْعَبْدَ لِفُلَانٍ فَبَاعَهُ ثُمَّ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ فُلَانٌ أَمَرَهُ، ثُمَّ جَاءَ فُلَانٌ وَقَالَ أَنَا أَمَرْتُهُ بِذَلِكَ فَإِنَّ فُلَانًا يَأْخُذُهُ) لِأَنَّ قَوْلَهُ السَّابِقَ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْوَكَالَةِ عَنْهُ فَلَا يَنْفَعُهُ الْإِنْكَارُ اللَّاحِقُ (فَإِنْ قَالَ فُلَانٌ: لَمْ آمُرْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ (إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ الْمُشْتَرَى لَهُ فَيَكُونَ بَيْعًا عَنْهُ وَعَلَيْهِ الْعُهْدَةُ) لِأَنَّهُ صَارَ مُشْتَرِيًا بِالتَّعَاطِي كَمَنْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ حَتَّى لَزِمَهُ ثُمَّ سَلَّمَهُ الْمُشْتَرَى لَهُ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ يَكْفِي لِلتَّعَاطِي وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ نَقْدُ الثَّمَنِ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ فِي النَّفِيسِ وَالْخَسِيسِ لِاسْتِتْمَامِ التَّرَاضِي وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ.
قَالَ: (وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ ثَمَنًا فَاشْتَرَى لَهُ أَحَدَهُمَا جَازَ) لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَقَدْ لَا يَتَّفِقُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ (إلَّا فِيمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ) لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالشِّرَاءِ وَهَذَا كُلُّهُ بِالْإِجْمَاعِ (وَلَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُمَا بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ أَقَلَّ جَازَ وَإِنْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ) لِأَنَّهُ قَابَلَ الْأَلْفَ بِهِمَا وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ دَلَالَةً فَكَانَ آمِرًا بِشِرَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ الشِّرَاءُ بِهَا مُوَافَقَةً وَبِأَقَلَّ مِنْهَا مُخَالَفَةً إلَى خَيْرٍ وَبِالزِّيَادَةِ إلَى شَرٍّ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ فَلَا يَجُوزُ (إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ بِبَقِيَّةِ الْأَلْفِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا اسْتِحْسَانًا) لِأَنَّ شِرَاءَ الْأَوَّلِ قَائِمٌ، وَقَدْ حَصَلَ غَرَضُهُ الْمُصَرَّحُ بِهِ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْعَبْدَيْنِ بِالْأَلْفِ وَمَا ثَبَتَ الِانْقِسَامُ إلَّا دَلَالَةً وَالصَّرِيحُ يَفُوقُهَا (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْأَلْفِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْأَلْفِ مَا يَشْتَرِي بِمِثْلِهِ الْبَاقِيَ جَازَ) لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ لَكِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمُتَعَارَفِ وَهُوَ فِيمَا قُلْنَا وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْأَلْفِ بَاقِيَةٌ يَشْتَرِي بِمِثْلِهَا الْبَاقِيَ لِيُمْكِنَهُ تَحْصِيلُ غَرَضِ الْآمِرِ.
قَالَ: (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا هَذَا الْعَبْدَ فَاشْتَرَاهُ جَازَ) لِأَنَّ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ تَعْيِينُ الْبَائِعِ وَلَوْ عَيَّنَ الْبَائِعَ يَجُوزُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ: (وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا عَبْدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْآمِرُ مَاتَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ قَبَضَهُ الْآمِرُ فَهُوَ لَهُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَقَالَا: هُوَ لَازِمٌ لِلْآمِرِ إذَا قَبَضَهُ الْمَأْمُورُ) وَعَلَى هَذَا إذَا أَمَرَهُ أَنْ يُسَلِّمَ مَا عَلَيْهِ أَوْ يَصْرِفَ مَا عَلَيْهِ، لَهُمَا: أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ دَيْنًا كَانَتْ أَوْ عَيْنًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَبَايَعَا عَيْنًا بِدَيْنٍ، ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ فَصَارَ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فِيهِ سَوَاءً فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ، وَيَلْزَمُ الْأَمْرُ لِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ كَيَدِهِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَيَّدَ الْوَكَالَةَ بِالْعَيْنِ مِنْهَا أَوْ بِالدَّيْنِ مِنْهَا ثُمَّ اسْتَهْلَكَ الْعَيْنَ أَوْ أَسْقَطَ الدَّيْنَ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، وَإِذَا تَعَيَّنَتْ كَانَ هَذَا تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِقَبْضِهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَمَا إذَا اشْتَرَى بِدَيْنٍ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي، أَوْ يَكُونُ أَمْرًا بِصَرْفِ مَا لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ قَبْلَهُ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ كَمَا إذَا قَالَ: أَعْطِ مَا لِي عَلَيْك مَنْ شِئْت بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَ الْبَائِعَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَكِيلًا عَنْهُ فِي الْقَبْضِ ثُمَّ يَتَمَلَّكُهُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِالتَّصَدُّقِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَالَ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ نَفَذَ الشِّرَاءُ عَلَى الْمَأْمُورِ فَيَهْلِكُ مِنْ مَالِهِ إلَّا إذَا قَبَضَهُ الْآمِرُ مِنْهُ لِانْعِقَادِ الْبَيْعِ تَعَاطِيًا.
قَالَ: (وَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ أَلْفًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا جَارِيَةً فَاشْتَرَاهَا فَقَالَ الْآمِرُ: اشْتَرَيْتَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ: اشْتَرَيْتُهَا بِأَلْفٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ) وَمُرَادُهُ إذَا كَانَتْ تُسَاوِي أَلْفًا لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ وَقَدْ ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ وَالْآمِرُ يَدَّعِي عَلَيْهِ ضَمَانَ خَمْسِمِائَةٍ وَهُوَ يُنْكِرُ، فَإِنْ كَانَتْ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ لِأَنَّهُ خَالَفَ حَيْثُ اشْتَرَى جَارِيَةً تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ وَالْأَمْرُ تَنَاوَلَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا فَيَضْمَنُ.
قَالَ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَلْفَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ) أَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا خَمْسَمِائَةٍ فَلِلْمُخَالَفَةِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ وَالْوَكِيلَ فِي هَذَا يُنَزَّلَانِ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ وَمُوجِبُهُ التَّحَالُفُ ثُمَّ تُفْسَخُ الْعَقْدُ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا فَتَلْزَمُ الْجَارِيَةُ الْمَأْمُورَ.
قَالَ: (وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ هَذَا الْعَبْدَ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ ثَمَنًا فَاشْتَرَاهُ فَقَالَ الْآمِرُ: اشْتَرَيْتَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَقَالَ الْمَأْمُورُ: بِأَلْفٍ وَصَدَّقَ الْبَائِعُ الْمَأْمُورَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ) قِيلَ: لَا تَحَالُفَ هَاهُنَا لِأَنَّهُ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ بِتَصْدِيقِ الْبَائِعِ إذْ هُوَ حَاضِرٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى هُوَ غَائِبٌ فَاعْتُبِرَ الِاخْتِلَافُ وَقِيلَ: يَتَحَالَفَانِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ ذُكِرَ مُعْظَمُ يَمِينِ التَّحَالُفِ وَهُوَ يَمِينُ الْبَائِعِ وَالْبَائِعُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا وَقَبْلَهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمُوَكِّلِ إذْ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ فَبَقِيَ الْخِلَافُ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ وَهُوَ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.فصلٌ فِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ نَفْسِ الْعَبْدِ:

قَالَ: (وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ لِرَجُلٍ: اشْتَرِ لِي نَفْسِي مِنْ مَوْلَايَ بِأَلْفٍ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَإِنْ قَالَ الرَّجُلُ لِلْمَوْلَى: اشْتَرَيْته لِنَفْسِهِ فَبَاعَهُ عَلَى هَذَا فَهُوَ حُرٌّ وَالْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى) لِأَنَّ بَيْعَ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْهُ إعْتَاقٌ وَشِرَاءُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ قَبُولُ الْإِعْتَاقِ بِبَدَلٍ وَالْمَأْمُورُ سَفِيرٌ عَنْهُ إذْ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْحُقُوقُ فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى بِنَفْسِهِ، وَإِذَا كَانَ إعْتَاقًا أَعْقَبَ الْوَلَاءَ (وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لِلْمَوْلَى فَهُوَ عَبْدٌ لِلْمُشْتَرِي) لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلْمُعَاوَضَةِ وَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ فَيُحَافِظُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ لِأَنَّ الْمَجَازَ فِيهِ مُتَعَيِّنٌ وَإِذَا كَانَ مُعَاوَضَةً يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ (وَالْأَلْفُ لِلْمَوْلَى) لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ (وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَلْفٌ مِثْلُهُ) ثَمَنًا لِلْعَبْدِ فَإِنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ الْأَدَاءُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِهِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُهُ لِأَنَّ الْعَقْدَيْنِ هُنَالِكَ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ، وَفِي الْحَالَيْنِ الْمُطَالَبَةُ تَتَوَجَّهُ نَحْوَ الْعَاقِدِ أَمَّا هَاهُنَا فَأَحَدُهُمَا إعْتَاقٌ مُعْقِبٌ لِلْوَلَاءِ وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْمَوْلَى عَسَاهُ لَا يَرْضَاهُ وَيَرْغَبُ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمَحْضَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ.
(وَمَنْ قَالَ لِعَبْدٍ: اشْتَرِ لِي نَفْسَك مِنْ مَوْلَاك فَقَالَ لِمَوْلَاهُ: بِعْنِي نَفْسِي لِفُلَانٍ بِكَذَا فَفَعَلَ فَهُوَ لِلْآمِرِ) لِأَنَّ الْعَبْدَ يَصْلُحُ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ مَالِيَّتِهِ وَالْبَيْعُ يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ إلَّا أَنَّ مَالِيَّتَهُ فِي يَدِهِ، حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْبَائِعُ الْحَبْسَ بَعْدَ الْبَيْعِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ، فَإِذَا أَضَافَهُ إلَى الْآمِرِ صَلُحَ فِعْلُهُ امْتِثَالًا، فَيَقَعُ الْعَقْدُ لِلْآمِرِ (وَإِنْ عَقَدَ لِنَفْسِهِ فَهُوَ حُرٌّ) لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ، وَقَدْ رَضِيَ بِهِ الْمَوْلَى دُونَ الْمُعَاوَضَةِ، وَالْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا بِشِرَاءِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَلَكِنَّهُ أَتَى بِجِنْسِ تَصَرُّفٍ آخَرَ، وَفِي مِثْلِهِ يَنْفُذُ عَلَى الْوَكِيلِ (وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْنِي نَفْسِي وَلَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ فَهُوَ حُرٌّ) لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ، فَلَا يَقَعُ امْتِثَالًا بِالشَّكِّ فَيَبْقَى التَّصَرُّفُ وَاقِعًا لِنَفْسِهِ.